فصل: (الْفَصْلُ الثَّانِي فِيمَا يَقَعُ بِهِ الرَّهْنُ وَمَا لَا يَقَعُ):

صباحاً 0 :47
/ﻪـ 
1446
جمادى الاخرة
19
الجمعة
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الفتاوى الهندية



.(كِتَابُ الرَّهْنِ):

وَفِيهِ اثْنَا عَشَرَ بَابًا:

.(الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي تَفْسِيرِهِ وَرُكْنِهِ وَشَرَائِطِهِ وَحُكْمِهِ):

(وَمَا يَقَعُ بِهِ الرَّهْنُ، وَمَا لَا يَقَعُ، وَمَا يَجُوزُ الِارْتِهَانُ بِهِ، وَمَا لَا يَجُوزُ، وَمَا يَجُوزُ رَهْنُهُ، وَمَا لَا يَجُوزُ، وَرَهْنُ الْوَصِيِّ وَالْأَبِ):
وَفِيهِ خَمْسَةُ فُصُولٍ:

.(الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي تَفْسِيرِ الرَّهْنِ وَرُكْنِهِ وَشَرَائِطِهِ وَحُكْمِهِ):

أَمَّا تَفْسِيرُهُ شَرْعًا فَجَعْلُ الشَّيْءِ مَحْبُوسًا بِحَقٍّ يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الرَّهْنِ كَالدُّيُونِ حَتَّى لَا يَصِحَّ الرَّهْنُ إلَّا بِدَيْنٍ وَاجِبٍ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا أَوْ ظَاهِرًا فَأَمَّا بِدَيْنٍ مَعْدُومٍ فَلَا يَصِحُّ؛ إذْ حُكْمُهُ ثُبُوتُ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ، وَالِاسْتِيفَاءُ يَتْلُو الْوُجُوبَ كَذَا فِي الْكَافِي.
وَأَمَّا رُكْنُ عَقْدِ الرَّهْنِ فَهُوَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ الرَّاهِنُ: رَهَنْتُكَ هَذَا الشَّيْءَ بِمَا لَكَ عَلَيَّ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ يَقُولَ: هَذَا الشَّيْءُ رَهْنٌ بِدَيْنِكَ، وَمَا يَجْرِي هَذَا الْمَجْرَى، وَيَقُولَ الْمُرْتَهِنُ: ارْتَهَنْتُ أَوْ قَبِلْتُ أَوْ رَضِيتُ، وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهُ فَأَمَّا لَفْظَةُ الرَّهْنِ فَلَيْسَتْ بِشَرْطٍ حَتَّى لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا بِدَرَاهِمَ فَدَفَعَ إلَى الْبَائِعِ ثَوْبًا، وَقَالَ لَهُ: أَمْسِكْ هَذَا الثَّوْبَ حَتَّى أُعْطِيَكَ الثَّمَنَ، فَالثَّوْبُ رَهْنٌ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَعْنَى الْعَقْدِ، وَالْعِبْرَةُ فِي بَابِ الْعُقُودِ لِلْمَعَانِي كَذَا فِي الْبَدَائِعِ.
وَأَمَّا شَرَائِطُهُ فَأَنْوَاعٌ بَعْضُهَا يَرْجِعُ إلَى نَفْسِ الرَّهْنِ، وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ مُعَلَّقًا بِشَرْطٍ، وَلَا مُضَافًا إلَى وَقْتٍ، وَأَمَّا مَا يَرْجِعُ إلَى الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ فَعَقْلُهُمَا حَتَّى لَا يَجُوزَ الرَّهْنُ وَالِارْتِهَانُ مِنْ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ، وَأَمَّا الْبُلُوغُ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ، وَكَذَا الْحُرِّيَّةُ حَتَّى يَجُوزَ مِنْ الصَّبِيِّ الْمَأْذُونِ وَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ، وَكَذَا السَّفَرُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِجَوَازِ الرَّهْنِ فَيَجُوزُ الرَّهْنُ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ.
وَأَمَّا مَا يَرْجِعُ إلَى الْمَرْهُونِ فَأَنْوَاعٌ مِنْهَا: أَنْ يَكُونَ مَحَلًّا قَابِلًا لِلْبَيْعِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا وَقْتَ الْعَقْدِ مَالًا مُطْلَقًا مُتَقَوِّمًا مَمْلُوكًا مَعْلُومًا مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ فَلَا يَجُوزُ رَهْنُ مَا لَيْسَ بِمَوْجُودٍ عِنْدَ الْعَقْدِ.
وَلَا رَهْنُ مَا يَحْتَمِلُ الْوُجُودَ وَالْعَدَمَ كَمَا إذَا رَهَنَ مَا يُثْمِرُ نَخِيلُهُ أَوْ مَا تَلِدُ أَغْنَامُهُ السَّنَةَ، أَوْ مَا فِي بَطْنِ هَذِهِ الْجَارِيَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَلَا رَهْنُ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ لِانْعِدَامِ مَالِيَّتِهِمَا، وَلَا رَهْنُ صَيْدِ الْحَرَمِ وَالْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّهُ مَيْتَةٌ وَلَا رَهْنُ الْحُرِّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ أَصْلًا، وَلَا رَهْنُ أُمُّ الْوَلَدِ، وَالْمُدَبَّرُ الْمُطْلَقُ وَالْمُكَاتَبُ؛ لِأَنَّهُمْ أَحْرَارٌ مِنْ وَجْهٍ فَلَا يَكُونُونَ أَمْوَالًا مُطْلَقَةً.
وَلَا رَهْنُ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ مِنْ مُسْلِمٍ سَوَاءٌ كَانَ الْعَاقِدَانِ مُسْلِمَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا مُسْلِمًا لِانْعِدَامِ مَالِيَّةِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ إيفَاءُ الدَّيْنِ وَالِارْتِهَانُ اسْتِيفَاؤُهُ، وَلَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ إيفَاءُ الدَّيْنِ مِنْ الْخَمْرِ وَاسْتِيفَاؤُهُ إلَّا أَنَّ الرَّاهِنَ إذَا كَانَ ذِمِّيًّا كَانَتْ الْخَمْرُ مَضْمُونَةً عَلَى الْمُسْلِمِ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ إذَا لَمْ يَصِحَّ كَانَتْ الْخَمْرُ بِمَنْزِلَةِ الْمَغْصُوبِ فِي يَدِ الْمُسْلِمِ، وَخَمْرُ الذِّمِّيِّ مَضْمُونَةٌ عَلَى الْمُسْلِمِ بِالْغَصْبِ، وَإِذَا كَانَ الرَّاهِنُ مُسْلِمًا وَالْمُرْتَهِنُ ذِمِّيًّا لَا تَكُونُ مَضْمُونَةً عَلَى الذِّمِّيِّ لِأَنَّ خَمْرَ الْمُسْلِمِ لَا تَكُونُ مَضْمُونَةً عَلَى أَحَدٍ، وَأَمَّا فِي حَقِّ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَيَجُوزُ رَهْنُ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَارْتِهَانُهُمَا مِنْهُمْ لِأَنَّ ذَلِكَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فِي حَقِّهِمْ بِمَنْزِلَةِ الْخَلِّ وَالشَّاةِ عِنْدَنَا.
وَلَا رَهْنُ الْمُبَاحَاتِ مِنْ الصَّيْدِ وَالْحَطَبِ وَالْحَشِيشِ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَمْلُوكَةٍ فِي أَنْفُسِهَا فَأَمَّا كَوْنُهُ مَمْلُوكًا لِلرَّاهِنِ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ لِجَوَازِ الرَّهْنِ حَتَّى يَجُوزَ.
ارْتِهَانُ مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ بِوِلَايَةٍ شَرْعِيَّةٍ كَالْأَبِ وَالْوَصِيِّ يَرْهَنُ مَالَ الصَّبِيِّ بِدَيْنِهِ وَبِدَيْنِ نَفْسِهِ، فَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدَيْ الْمُرْتَهِنِ قَبْلَ أَنْ يَفْتِكَهُ الْأَبُ هَلَكَ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِمَّا رَهَنَ بِهِ فَضَمِنَ الْأَبُ قَدْرَ مَا سَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ بِهَلَاكِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنَ نَفْسِهِ بِمَالِ وَلَدِهِ فَيَضْمَنُ، وَلَوْ أَدْرَكَ الْوَلَدُ، وَالرَّهْنُ قَائِمٌ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ قَبْلَ قَضَاءِ الْقَاضِي، وَلَكِنْ يُؤْمَرُ الْأَبُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ وَرَدِّ الرَّهْنِ عَلَى وَلَدِهِ، وَلَوْ قَضَى الْوَلَدُ دَيْنَ أَبِيهِ وَأَفْتَكَ الرَّهْنَ لَمْ يَكُنْ مُتَبَرِّعًا، وَيَرْجِعُ بِجَمِيعِ مَا قَضَى عَلَى أَبِيهِ، وَكَذَا حُكْمُ الْوَصِيِّ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا حُكْمُ الْأَبِ.
وَكَذَلِكَ يَجُوزُ رَهْنُ مَالِ الْغَيْرِ بِإِذْنِهِ كَمَا لَوْ اسْتَعَارَ شَيْئًا مِنْ إنْسَانٍ لِيَرْهَنَهُ بِدَيْنٍ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ.
وَأَمَّا شَرْطُ جَوَازِهِ فَأَنْ يَكُونَ الْمَالُ الْمَرْهُونُ مَقْسُومًا مَحُوزًا فَارِغًا عَنْ الشُّغْلِ، وَأَنْ يَكُونَ بِحَقٍّ يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الرَّهْنِ حَتَّى لَوْ رَهَنَ بِمَا لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الرَّهْنِ كَانَ الرَّهْنُ بَاطِلًا كَالرَّهْنِ بِالْقِصَاصِ وَالْحُدُودِ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ.
قَالَ مُحَمَّدٌ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- فِي كِتَابِ الرَّهْنِ لَا يَجُوزُ الرَّهْنُ إلَّا مَقْبُوضًا فَقَدْ أَشَارَ إلَى أَنَّ الْقَبْضَ شَرْطُ جَوَازِ الرَّهْنِ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ الْمَعْرُوفُ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ الرَّهْنُ قَبْلَ الْقَبْضِ جَائِزٌ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ لَازِمًا فِي حَقِّ الرَّاهِنِ بِالْقَبْضِ، وَكَانَ الْقَبْضُ شَرْطَ اللُّزُومِ لَا شَرْطَ الْجَوَازِ كَالْقَبْضِ فِي الْهِبَةِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
ثُمَّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ قَبْضُ الرَّهْنِ يَثْبُتُ بِالتَّخْلِيَةِ كَمَا فِي الْبَيْعِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ فِي الْمَنْقُولِ إلَّا بِالنَّقْلِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَمَا لَمْ يَقْبِضْهُ فَالرَّاهِنُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ سَلَّمَ، وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَنْ الرَّهْنِ فَإِذَا سَلَّمَهُ إلَيْهِ، وَقَبَضَهُ دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ بِالْقَبْضِ كَذَا فِي الْكَافِي.
وَأَمَّا بَيَانُ شَرْطِ صِحَّةِ الْقَبْضِ فَأَنْوَاعٌ مِنْهَا أَنْ يَأْذَنَ الرَّاهِنُ، وَالْإِذْنُ نَوْعَانِ نَصٌّ، وَمَا يَجْرِي مَجْرَى النَّصِّ، وَدَلَالَةٌ أَمَّا الْأَوَّلُ فَأَنْ يَقُولَ: أَذِنْتُ لَهُ بِالْقَبْضِ أَوْ رَضِيتُ بِهِ أَوْ اقْبِضْ وَمَا يَجْرِي هَذَا الْمَجْرَى، فَيَجُوزُ قَبْضُهُ سَوَاءٌ قَبَضَ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ اسْتِحْسَانًا، وَأَمَّا الدَّلَالَةُ فَأَنْ يَقْبِضَ الْمُرْتَهِنُ بِحَضْرَةِ الرَّاهِنِ فَيَسْكُتَ، وَلَا يَنْهَاهُ فَيَصِحَّ اسْتِحْسَانًا.
وَلَوْ رَهَنَ شَيْئًا مُتَّصِلًا بِمَا لَا يَقَعُ عَلَيْهِ الرَّهْنُ كَالثَّمَرِ الْمُعَلَّقِ عَلَى الشَّجَرِ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَا يَجُوزُ الرَّهْنُ فِيهِ إلَّا بِالْفَصْلِ وَالْقَبْضِ فَفَصْلٌ وَقَبْضٌ فَإِنْ قَبَضَ بِغَيْرِ إذْنِ الرَّاهِنِ لَمْ يَجُزْ قَبْضُهُ سَوَاءٌ كَانَ الْفَصْلُ وَالْقَبْضُ فِي الْمَجْلِسِ، أَوْ فِي غَيْرِ الْمَجْلِسِ، وَإِنْ قَبَضَ بِإِذْنِهِ فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ جَائِزٌ، وَمِنْهَا الْحِيَازَةُ عِنْدَنَا فَلَا يَصِحُّ قَبْضُ الْمُشَاعِ سَوَاءٌ كَانَ مُشَاعًا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ أَوْ لَا يَحْتَمِلُهَا، وَسَوَاءٌ رَهَنَ مِنْ أَجْنَبِيٍّ أَوْ مِنْ شَرِيكِهِ، وَسَوَاءٌ قَارَنَ الْعَقْدَ أَوْ طَرَأَ عَلَيْهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ الْمَرْهُونُ فَارِغًا عَمَّا لَيْسَ بِمَرْهُونٍ فَإِنْ كَانَ مَشْغُولًا بِهِ بِأَنْ رَهَنَ دَارًا فِيهَا مَتَاعُ الرَّاهِنِ وَسَلَّمَ الدَّارَ مَعَ مَا فِيهَا مِنْ الْمَتَاعِ لَمْ يَجُزْ، وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ الْمَرْهُونُ مُنْفَصِلًا مُتَمَيِّزًا عَمَّا لَيْسَ بِمَرْهُونٍ فَإِنْ كَانَ مُتَّصِلًا بِهِ غَيْرَ مُتَمَيِّزٍ عَنْهُ لَمْ يَصِحَّ قَبْضُهُ، وَمِنْهَا أَهْلِيَّةُ الْقَبْضِ وَهِيَ الْعَقْلُ.
وَأَمَّا بَيَانُ أَنْوَاعِ الْقَبْضِ فَهُوَ نَوْعَانِ نَوْعٌ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ وَنَوْعٌ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ أَمَّا الْقَبْضُ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ فَهُوَ أَنْ يَقْبِضَ بِنَفْسِهِ لِنَفْسِهِ، وَأَمَّا الْقَبْضُ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ فَنَوْعَانِ نَوْعٌ يَرْجِعُ إلَى الْقَابِضِ وَنَوْعٌ يَرْجِعُ إلَى نَفْسِ الْقَبْضِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَيَجُوزُ قَبْضُ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ عَنْ الصَّبِيِّ، وَكَذَا قَبْضُ الْعَدْلِ يَقُومُ مَقَامَ قَبْضِ الْمُرْتَهِنِ حَتَّى لَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ كَانَ الْهَلَاكُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ، وَأَمَّا الَّذِي يَرْجِعُ إلَى نَفْسِ الْقَبْضِ فَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَرْهُونُ إذَا كَانَ مَقْبُوضًا عِنْدَ الْعَقْدِ فَهَلْ يَنُوبُ ذَلِكَ عَنْ قَبْضِ الرَّهْنِ فَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْقَبْضَيْنِ إذَا تَجَانَسَا نَابَ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ، وَإِذَا اخْتَلَفَا نَابَ الْأَعْلَى عَنْ الْأَدْنَى، وَمِنْهَا دَوَامُ الْقَبْضِ عِنْدَنَا وَالشِّيَاعُ يَمْنَعُ دَوَامَ الْحَبْسِ فَيَمْنَعُ جَوَازَ الرَّهْنِ سَوَاءٌ كَانَ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ أَوْ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُهَا وَسَوَاءٌ كَانَ الشُّيُوعُ مُقَارَنًا أَوْ طَارِئًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَسَوَاءٌ كَانَ الرَّهْنُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ أَوْ مِنْ شَرِيكِهِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ.
وَأَمَّا حُكْمُهُ فَمِلْكُ الْعَيْنِ الْمَرْهُونَةِ فِي حَقِّ الْحَبْسِ حَتَّى يَكُونَ أَحَقَّ بِإِمْسَاكِهِ إلَى وَقْتِ إيفَاءِ الدَّيْنِ فَإِذَا مَاتَ الرَّاهِنُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ فَيُسْتَوْفَى مِنْهُ دَيْنُهُ فَمَا فَضَلَ يَكُونُ لِسَائِرِ الْغُرَمَاءِ وَالْوَرَثَةِ، وَلَوْ مَاتَ وَأَفْلَسَ، وَعَلَيْهِ دُيُونٌ يَكُونُ الْمُرْتَهِنُ أَخَصَّ بِهِ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
وَنُقْصَانُ الرَّهْنِ إنْ كَانَ مِنْ حَيْثُ الْعَيْنُ يُوجِبُ سُقُوطَ الدَّيْنِ بِقَدْرِهِ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ كَانَ مِنْ حَيْثُ السِّعْرُ لَا يُوجِبُ سُقُوطَ شَيْءٍ مِنْ الدَّيْنِ عِنْدَ الثَّلَاثَةِ هَكَذَا فِي الْغِيَاثِيَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.(الْفَصْلُ الثَّانِي فِيمَا يَقَعُ بِهِ الرَّهْنُ وَمَا لَا يَقَعُ):

رَجُلٌ اشْتَرَى بَيْتًا فَقَالَ لِلْبَائِعِ: أَمْسِكْ هَذَا الثَّوْبَ حَتَّى أُعْطِيَكَ الثَّمَنَ فَهُوَ رَهْنٌ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ.
رَجُلٌ لَهُ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ فَأَعْطَاهُ ثَوْبًا فَقَالَ: أَمْسِكْ هَذَا حَتَّى أُعْطِيَكَ مَالَكَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- هُوَ رَهْنٌ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: يَكُونُ وَدِيعَةً لَا رَهْنًا فَإِنْ قَالَ: أَمْسِكْ هَذَا بِمَالِكَ أَوْ قَالَ: أَمْسِكْ هَذَا رَهْنًا حَتَّى أُعْطِيَكَ مَالَكَ فَهُوَ رَهْنٌ بِالْإِجْمَاعِ كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
رَجُلٌ عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ غَلَّةً لِرَجُلٍ، فَقَالَ: أَمْسِكْ هَذِهِ الْأَلْفَ الْوَضَحَ بِحَقِّكَ وَاشْهَدْ لِي بِالْقَبْضِ قَالَ: هَذَا اقْتِضَاءٌ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: اشْهَدْ لِي بِالْقَبْضِ، فَقَالَ: صَاحِبُ الدَّيْنِ أَعْطِنِي حَتَّى أَشْهَدَ لَكَ، فَقَالَ: أَمْسِكْ الْأَلْفَ الْوَضَحَ وَاشْهَدْ لِي بِالْقَبْضِ، وَلَوْ قَالَ خُذْ هَذِهِ الْأَلْفَ الْوَضَحَ حَتَّى آتِيَكَ بِحَقِّكَ وَاشْهَدْ لِي بِالْقَبْضِ فَأَخَذَ فَهُوَ رَهْنٌ وَلَا يَكُونُ اقْتِضَاءً كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
وَإِنْ قَالَ: رَهَنْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ وَهَذِهِ الْأَرْضَ أَوْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَأَطْلَقَ وَلَمْ يَخُصَّ شَيْئًا دُونَ شَيْءٍ دَخَلَ فِيهِ الْبِنَاءُ وَالشَّجَرُ وَالْكَرْمُ الَّذِي فِي الْأَرْضِ وَالرَّطْبَةُ وَالزَّرْعُ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ.
وَلَوْ أَنَّ الْمَدْيُونَ قَضَاهُ الدَّيْنَ ثُمَّ دَفَعَ إلَيْهِ مَالًا، وَقَالَ: خُذْ هَذَا رَهْنًا بِمَا كَانَ فِيهَا مِنْ زَائِفٍ أَوْ سَتُّوقٍ فَهُوَ رَهْنٌ جَائِزٌ بِمَا كَانَ سُتُّوقًا، وَلَا يَكُونُ رَهْنًا بِمَا كَانَ زَائِفًا؛ لِأَنَّ قَبْضَ الزُّيُوفِ اسْتِيفَاءٌ فَلَا يُتَصَوَّرُ الرَّهْنُ بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ بِخِلَافِ السَّتُّوقِ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
لَوْ اسْتَقْرَضَ دَرَاهِمَ وَسَلَّمَ حِمَارَهُ إلَى الْمُقْرِضِ لِيَسْتَعْمِلَ إلَى شَهْرَيْنِ حَتَّى يُوَفِّيَهُ دَرَاهِمَهُ أَوْ دَارًا لِيَسْكُنَهَا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ إنْ اسْتَعْمَلَهُ فَعَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِهِ وَلَا يَكُونُ رَهْنًا كَذَا فِي جَوَاهِرِ الْأَخْلَاطِيِّ.
الْفُقَّاعِيِّ لَوْ أَخَذَ رَهْنًا بِالزِّنْبِيلِ وَالْكِيزَانِ لَمْ يَكُنْ رَهْنًا كَذَا فِي السِّرَاجِيَّةِ.
دَفَعَ إلَيْهِ رَهْنًا لِيَدْفَعَ لَهُ ثَمَانِمِائَةِ دِينَارٍ فَدَفَعَ إلَيْهِ ثَلَاثَمِائَةٍ، وَامْتَنَعَ عَنْ دَفْعِ الْبَاقِي فَهُوَ رَهْنٌ بِهَذَا الْقَدْرِ كَذَا فِي الْقُنْيَةِ.
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.(الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِيمَا يَجُوزُ الِارْتِهَانُ بِهِ وَمَا لَا يَجُوزُ):

يَجِبُ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ الرَّهْنَ إنَّمَا يَصِحُّ بِدَيْنٍ وَاجِبٍ أَوْ بِدَيْنٍ وُجِدَ سَبَبُ وُجُوبِهِ كَالرَّهْنِ بِالْأَجْرِ قَبْلَ وُجُوبِهِ أَمَّا الرَّهْنُ بِدَيْنٍ لَا يَجِبُ، وَلَمْ يُوجَدْ سَبَبُ وُجُوبِهِ كَالرَّهْنِ بِالدَّرْكِ لَا يَصِحُّ ثُمَّ لَا يُشْتَرَطُ وُجُوبُ الدَّيْنِ عَلَى الْحَقِيقَةِ لِصِحَّةِ الرَّهْنِ لَا مَحَالَةَ بَلْ يُكْتَفَى بِوُجُوبِهِ ظَاهِرًا بَيَانُهُ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي ذَكَرَهَا مُحَمَّدٌ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- فِي الْجَامِعِ مِنْ جُمْلَتِهَا: رَجُلٌ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَجَحَدَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ذَلِكَ، فَصَالَحَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ ذَلِكَ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ، وَأَعْطَاهُ بِهَا رَهْنًا يُسَاوِي خَمْسَمِائَةٍ فَهَلَكَ الرَّهْنُ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ ثُمَّ تَصَادَقَا عَلَى أَنَّهُ لَا دَيْنَ فَإِنَّ عَلَى الْمُرْتَهِنِ قِيمَةَ الرَّهْنِ خَمْسَمِائَةٍ لِلرَّاهِنِ وَاعْلَمْ بِأَنَّ هَذَا الرَّهْنَ جَائِزٌ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِدَيْنٍ وَاجِبٍ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ، فَإِنَّ الصُّلْحَ عَنْ الْإِنْكَارِ جَائِزٌ عِنْدَنَا، وَبَدَلُ الصُّلْحِ وَاجِبٌ عِنْدَنَا، أَلَا يَرَى أَنَّهُمَا لَوْ رَفَعَا الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي وَقَصَّا عَلَيْهِ الْقِصَّةَ فَالْقَاضِي يُلْزِمُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ تَسْلِيمَ بَدَلِ الصُّلْحِ، وَإِذَا امْتَنَعَ عَنْ التَّسْلِيمِ يَحْبِسُهُ بِطَلَبِ الْمُدَّعِي، فَعَلِمَ أَنَّ الْمَالَ الَّذِي حَصَلَ بِهِ الرَّهْنُ وَاجِبٌ ظَاهِرًا، وَإِذَا هَلَكَ الرَّهْنُ صَارَ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ حُكْمًا بِهَلَاكِ الرَّهْنِ فَيُعْتَبَرُ بِمَا لَوْ اسْتَوْفَاهُ حَقِيقَةً بِالْيَدِ، وَلَوْ اسْتَوْفَاهُ حَقِيقَةً بِالْيَدِ ثُمَّ تَصَادَقَا عَلَى أَنَّ الْمَالَ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا، وَأَنَّ الدَّعْوَى وَقَعَتْ بَاطِلَةً كَانَ عَلَى الْمُسْتَوْفِي رَدُّ مَا اسْتَوْفَى كَذَا هَهُنَا كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.
وَلَا يَجُوزُ الرَّهْنُ بِالْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ.
وَلَا يَجُوزُ الرَّهْنُ بِقِصَاصٍ فِي نَفْسٍ أَوْ فِيمَا دُونَهَا وَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ خَطَأً جَازَ الرَّهْنُ.
وَلَا يَجُوزُ الرَّهْنُ بِالشُّفْعَةِ كَذَا فِي الْكَافِي.
الرَّهْنُ بِالْخَرَاجِ جَائِزٌ لِأَنَّ الْخَرَاجَ دَيْنٌ كَسَائِرِ الدُّيُونِ كَذَا فِي الْمُضْمَرَاتِ.
وَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ بِعَيْنِهَا وَأَخَذَتْ بِهَا رَهْنًا لَمْ يَصِحَّ عِنْدَنَا.
وَلَوْ صَالَحَ عَنْ دَمٍ عَلَى شَيْءٍ بِعَيْنِهِ، وَأَخَذَ رَهْنًا لَمْ يَجُزْ كَذَا فِي الْيَنَابِيعِ.
وَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَارًا أَوْ شَيْئًا وَأَعْطَى بِالْأَجْرِ رَهْنًا جَازَ، وَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا لِلْأَجْرِ، وَإِنْ هَلَكَ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ يَبْطُلُ الرَّهْنُ، وَيَجِبُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ رَدُّ قِيمَةِ الرَّهْنِ.
وَلَوْ اسْتَأْجَرَ خَيَّاطًا لِيَخِيطَ لَهُ ثَوْبًا وَأَخَذَ مِنْ الْخَيَّاطِ رَهْنًا بِالْخِيَاطَةِ جَازَ وَإِنْ أَخَذَ الرَّهْنَ بِخِيَاطَةِ هَذَا الْخَيَّاطِ بِنَفْسِهِ لَا يَجُوزُ، وَكَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَ إبِلًا إلَى مَكَّةَ وَأَخَذَ مِنْ الْجَمَّالِ بِالْحُمُولَةِ رَهْنًا جَازَ، وَلَوْ أَخَذَ رَهْنًا بِحُمُولَةِ هَذَا الرَّجُلِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِدَابَّةٍ بِعَيْنِهَا لَا يَجُوزُ وَلَوْ اسْتَعَارَ شَيْئًا لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ فَأَخَذَ الْمُعِيرُ مِنْ الْمُسْتَعِيرِ رَهْنًا بِرَدِّ الْعَارِيَّةِ جَازَ، وَإِنْ أَخَذَ مِنْهُ رَهْنًا بِرَدِّ الْعَارِيَّةِ بِنَفْسِهِ لَمْ يَجُزْ، وَلَوْ أَخَذَ رَهْنًا مِنْ الْمُسْتَعِيرِ بِالْعَارِيَّةِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ.
وَلَوْ اسْتَأْجَرَ نَوَّاحَةً أَوْ مُغَنِّيَةً، وَأَعْطَى بِالْأَجْرِ رَهْنًا لَا يَجُوزُ، وَيَكُونُ بَاطِلًا، وَكَذَا الرَّهْنُ بِدَيْنِ الْقِمَارِ أَوْ بِثَمَنِ الْمَيْتَةِ أَوْ الدَّمِ أَوْ الرَّهْنِ بِثَمَنِ الْخَمْرِ مِنْ الْمُسْلِمِ لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ أَوْ بِثَمَنِ الْخِنْزِيرِ بَاطِلٌ هَكَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
وَلَا يَصِحُّ الرَّهْنُ بِالْعَبْدِ الْجَانِي وَلَا بِالْعَبْدِ الْمَدْيُونِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَى الْمَوْلَى لَوْ هَلَكَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
وَلَوْ اشْتَرَى شَيْئًا مِنْ رَجُلٍ بِدَرَاهِمَ بِعَيْنِهَا، وَأَعْطَى بِهَا رَهْنًا كَانَ بَاطِلًا؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ، وَإِنَّمَا يَجِبُ مِثْلُهَا فِي الذِّمَّةِ، وَالرَّهْنُ غَيْرُ مُضَافٍ إلَى مَا فِي الذِّمَّةِ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
وَفِي رَهْنِ الْعُيُونِ الرَّهْنُ بِالْأَعْيَانِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا: الرَّهْنُ بِعَيْنٍ هِيَ أَمَانَةٌ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ الثَّانِي: الرَّهْنُ بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِغَيْرِهَا كَالْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَيْضًا حَتَّى لَوْ هَلَكَ الرَّهْنُ يَهْلِكُ بِغَيْرِ شَيْءٍ هَذَا قَوْلُ أَبِي الْحَسَنِ الْكَرْخِيِّ الثَّالِثُ: الرَّهْنُ بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِنَفْسِهَا كَالْأَعْيَانِ الْمَغْصُوبَةِ وَالْمُتَزَوَّجِ عَلَيْهَا، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَهُوَ صَحِيحٌ فَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِهِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ وَمِنْ قِيمَةِ الْعَيْنِ، وَيَأْخُذُ الْعَيْنَ، وَإِنْ هَلَكَ الْعَيْنُ قَبْلَ هَلَاكِ الرَّهْنِ فَإِنَّ الرَّهْنَ يَكُونُ رَهْنًا بِالْقِيمَةِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ.
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.(الْفَصْلُ الرَّابِعُ فِيمَا يَجُوزُ رَهْنُهُ وَمَا لَا يَجُوزُ):

مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ يَجُوزُ رَهْنُهُ، وَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لَا يَجُوزُ رَهْنُهُ كَذَا فِي التَّهْذِيبِ.
وَلَوْ رَهَنَ أَرْضًا وَقَبَضَهَا ثُمَّ اسْتَحَقَّ طَائِفَةً مِنْهَا إنْ كَانَ الْمُسْتَحَقُّ غَيْرَ مُعَيَّنٍ يَبْطُلُ الرَّهْنُ فِي الْبَاقِي، وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَحَقُّ بِعَيْنِهِ بَقِيَ الرَّهْنُ فِي الْبَاقِي جَائِزًا وَلَا يَكُونُ لِلْمُرْتَهِنِ الْخِيَارُ فِيمَا بَقِيَ، وَلَا يَكُونُ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِشَيْءٍ آخَرَ، وَيَكُونُ الْبَاقِي مَحْبُوسًا بِجَمِيعِ الدَّيْنِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَلَوْ ارْتَهَنَ رَجُلَانِ مِنْ رَجُلٍ رَهْنًا بِدَيْنٍ لَهُمَا عَلَيْهِ، وَهُمَا شَرِيكَانِ فِيهِ، أَوْ لَا شَرِكَةَ بَيْنَهُمَا فَهُوَ جَائِزٌ إذَا قَبِلَا، وَلَوْ قَبِلَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ لَا يَصِحُّ، وَلَوْ قَضَى الرَّاهِنُ دَيْنَ أَحَدِهِمَا، وَقَدْ قَبِلَا لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ نِصْفَ الرَّهْنِ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
وَلَوْ ارْتَهَنَ رَجُلٌ مِنْ رَجُلَيْنِ بِدَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِمَا رَهْنًا وَاحِدًا جَازَ، وَالرَّهْنُ رَهْنٌ بِكُلِّ الدَّيْنِ، وَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُمْسِكَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ جَمِيعَ الدَّيْنِ كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ.
وَإِذَا رَهَنَ عِنْدَ رَجُلٍ عَبْدَيْنِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ثُمَّ قَضَاهُ خَمْسَمِائَةٍ فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ أَحَدَ الْعَبْدَيْنِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَلَوْ قَالَ: رَهَنْتُكَ هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِخَمْسِمِائَةٍ فَقَضَاهُ خَمْسَمِائَةٍ، فَأَرَادَ أَنْ يَقْبِضَ أَحَدَهُمَا لَهُ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ الزِّيَادَاتِ وَفِي رَهْنِ الْأَصْلِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ مَا لَمْ يُؤَدِّ جَمِيعَ الدَّيْنِ قِيلَ: مَا ذُكِرَ فِي الزِّيَادَاتِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- وَمَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ قَوْلُهُمَا.
وَكَذَا لَوْ كَانَ الدَّيْنُ مِنْ جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ خَمْسمِائَةِ دِرْهَمٍ وَخَمْسمِائَةِ دِينَارٍ فَقَضَى أَحَدَهُمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْبِضَ أَحَدَهُمَا كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ.
وَإِذَا رَهَنَ مِنْ رَجُلَيْنِ النِّصْفَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَمْ يَجُزْ وَلَوْ رَهَنَهُمَا مُطْلَقًا يَجُوزُ.
وَلَوْ رَهَنَ عَبْدًا، نِصْفُهُ بِسِتِّمِائَةٍ، وَنِصْفُهُ بِخَمْسِمِائَةٍ لَمْ يَجُزْ كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
وَلَوْ رَهَنَ التَّمْرَ دُونَ النَّخْلِ أَوْ النَّخْلَ دُونَ التَّمْرِ أَوْ النَّخْلَ وَالْبِنَاءَ وَالزَّرْعَ دُونَ الْأَرْضِ أَوْ الْأَرْضَ بِدُونِهَا لَا يَجُوزُ، وَعَنْ ابْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- أَنَّهُ يَجُوزُ فِي الْأَرْضِ دُونَ النَّخْلِ وَلَوْ لَمْ يَسْتَنِنْ دَخَلَ النَّخْلُ وَالتَّمْرُ وَالزَّرْعُ وَالْبِنَاءُ كَذَا فِي التَّهْذِيبِ.
وَلَوْ رَهَنَ النَّخْلَ وَالشَّجَرَ وَالْكَرْمَ بِمَوَاضِعِهَا مِنْ الْأَرْضِ جَازَ كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
رَهَنَ عَشْرَ كُرْدٍ ثُمَّ بَانَ أَنَّ فِيهَا وَاحِدَةً مُسَبَّلَةً وَأُخْرَى مُشَاعَةً صَحَّ الرَّهْنُ فِي الْبَوَاقِي كَذَا فِي الْقُنْيَةِ.
رَهَنَ شَاتَيْنِ بِثَلَاثِينَ إحْدَاهُمَا بِعَشَرَةٍ، وَالْأُخْرَى بِعِشْرِينَ، وَلَمْ يُبَيِّنْ أَيَّهُمَا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ بِسَبَبِ هَذِهِ الْجَهَالَةِ تَقَعُ بَيْنَهُمَا الْمُنَازَعَةُ عِنْدَ الْهَلَاكِ فَإِنَّهُ إذَا هَلَكَتْ إحْدَاهُمَا لَا يَدْرِي مَاذَا سَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ بِإِزَائِهَا، وَلَوْ بَيَّنَ وَهَلَكَتْ إحْدَاهُمَا سَقَطَ الدَّيْنُ بِقَدْرِهَا كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
رَهْنُ الْحَيَوَانِ الْمَمْلُوكِ بِالدَّيْنِ جَائِزٌ بِخِلَافِ مَا يَقُولُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إنَّ الْحَيَوَانَ عُرْضَةٌ لِلْهَلَاكِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ، وَمَا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ كَالْخُبْزِ لَا يَجُوزُ رَهْنُهُ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
دَارٌ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ وَرَثَةٍ كِبَارٍ وَصِغَارٍ فَرَهَنَهَا الْوَصِيُّ وَالْكِبَارُ بِخَرَاجِ ضَيْعَةٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَهُمْ صَحَّ صَفْقَةً وَاحِدَةً.
رَهَنَ دَارِهِ، وَفِيهَا جِدَارٌ مُشْتَرَكٌ لَا يَصِحُّ، وَلَوْ اسْتَثْنَى الْجِدَارَ الْمُشْتَرَكَ صَحَّ إلَّا إذَا كَانَ جِدَارُهُ مُتَّصِلًا بِالْجِدَارِ الْمُشْتَرَكِ.
رَهَنَ دَارًا وَالْحِيطَانُ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِيرَانِ صَحَّ فِي الْعَرْصَةِ وَالسَّقْفِ وَالْحِيطَانِ الْخَاصَّةِ، وَاتِّصَالُ السَّقْفِ بِالْحِيطَانِ الْمُشْتَرَكَةِ لَا يَمْنَعُ الصِّحَّةَ لِكَوْنِهِ تَبَعًا كَذَا فِي الْقُنْيَةِ.
وَلَوْ رَهَنَ بَيْتًا مُعَيَّنًا مِنْ دَارٍ أَوْ طَائِفَةٍ مُعَيَّنَةً مِنْ دَارٍ، وَسَلَّمَ جَازَ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
بَاعَ مِلْكَ الْغَيْرِ وَارْتَهَنَ بِالثَّمَنِ شَيْئًا وَأَجَازَهُمَا الْمَالِكُ لَا يَصِحُّ.
وَرَهْنُ الْمَرِيضِ يَصِحُّ إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ كَإِيدَاعِهِ، وَلَكِنْ لَا يَظْهَرُ حُكْمُهُ فِي سَائِرِ الْغُرَمَاءِ كَذَا فِي الْقُنْيَةِ.
رَجُلٌ رَهَنَ دَارًا فِيهَا مَتَاعُ الرَّاهِنِ شَيْءٌ كَثِيرٌ أَوْ قَلِيلٌ يَنْتَفِعُ بِهِ أَوْ رَهَنَ جُوَالِقًا فِيهَا مَتَاعُ الرَّاهِنِ بِدُونِ الْمَتَاعِ وَسَلَّمَ الْكُلَّ إلَى الْمُرْتَهِنِ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُفْرِغَ الدَّارَ أَوْ الْجُوَالِقَ وَيُسَلِّمَ.
وَلَوْ رَهَنَ مَا فِي الدَّارِ مِنْ الْمَتَاعِ بِدُونِ الدَّارِ، وَمَا فِي الْجُوَالِقِ مِنْ الْحُبُوبِ بِدُونِ الْجُوَالِقِ وَسَلَّمَ الْكُلَّ إلَيْهِ جَازَ، وَالْحِيلَةُ لِجَوَازِ الرَّهْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَنْ يُودِعَ مَا فِي الدَّارِ وَالْجُوَالِقِ أَوَّلًا ثُمَّ يُسَلِّمَ إلَيْهِ مَا رَهَنَ فَيَصِحُّ التَّسْلِيمُ وَالرَّهْنُ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ.
وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- لَوْ رَهَنَ دَارًا وَالرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ فِي جَوْفِهَا، فَقَالَ: سَلَّمْتُهَا، وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ: قَبِلْتُ لَمْ يَتِمَّ الرَّهْنُ حَتَّى يَخْرُجَ الرَّاهِنُ مِنْ الدَّارِ ثُمَّ يَقُولَ: سَلَّمْتُهَا إلَيْكَ كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
رَهَنَ عِمَارَةَ حَانُوتٍ قَائِمَةً عَلَى أَرْضٍ سُلْطَانِيَّةٍ سَلَّمَهَا إلَى الْمُرْتَهِنِ، وَكَانَ يَتَصَرَّفُ الْمُرْتَهِنُ فِيهَا، وَيُؤَاجِرُهَا وَيَأْخُذُ الْأَجْرَ مِنْهَا سِنِينَ وَأَعْوَامًا لَا يَصِحُّ الرَّهْنُ وَلَا يَطِيبُ لِلْمُرْتَهِنِ مَا أَخَذَ مِنْ أَجْرِهَا كَذَا فِي جَوَاهِرِ الْأَخْلَاطِيِّ.
وَلَوْ رَهَنَ سَرْجًا عَلَى دَابَّةٍ أَوْ لِجَامًا عَلَى رَأْسِهَا أَوْ رَسَنًا فِي رَأْسِهَا، وَدَفَعَ إلَيْهِ الدَّابَّةَ مَعَ اللِّجَامِ وَالسَّرْجِ وَالرَّهْنِ لَمْ يَكُنْ رَهْنًا حَتَّى يُنْزَعَ مِنْ الدَّابَّةِ وَيُسَلَّمَ إلَيْهِ.
وَلَوْ رَهَنَ دَابَّةً عَلَيْهَا حَمْلٌ دُونَ الْحَمْلِ لَمْ يَتِمَّ الرَّهْنُ حَتَّى يُلْقِيَ الْحَمْلَ ثُمَّ يُسَلِّمَهَا إلَى الْمُرْتَهِنِ.
وَلَوْ رَهَنَ الْحَمْلَ دُونَ الدَّابَّةِ، وَدَفَعَهَا إلَيْهِ تَمَّ فِي الْحَمْلِ؛ لِأَنَّ الدَّابَّةَ مَشْغُولَةٌ بِالْحَمْلِ أَمَّا الْحَمْلُ فَلَيْسَ بِمَشْغُولٍ بِالدَّابَّةِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ.
رَجُلٌ رَهَنَ جَارِيَةً ذَاتَ زَوْجٍ بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ جَازَ، وَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَمْنَعَ الزَّوْجَ مِنْ غِشْيَانِهَا، فَإِنْ مَاتَتْ مِنْ غِشْيَانِهَا صَارَتْ كَأَنَّهَا مَاتَتْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَيَسْقُطُ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ اسْتِحْسَانًا، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَسْقُطَ، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ ذَاتَ زَوْجٍ حِينَ رَهَنَهَا ثُمَّ زَوَّجَهَا بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ فَهَذَا وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ، فَإِنْ زَوَّجَهَا بِغَيْرِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ جَازَ النِّكَاحُ وَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَمْنَعَ الزَّوْجَ مِنْ غِشْيَانِهَا فَإِنْ غَشِيَهَا الزَّوْجُ يَصِيرُ الْمَهْرُ رَهْنًا مَعَ الْجَارِيَةِ وَقَبْلَ الْغِشْيَانِ لَا يَكُونُ الْمَهْرُ رَهْنًا فَإِنْ مَاتَتْ الْجَارِيَةُ مِنْ غِشْيَانِهَا فِي هَذَا الْوَجْهِ كَانَ الْمُرْتَهِنُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الرَّاهِنَ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الزَّوْجَ كَمَا لَوْ قَتَلَهَا الزَّوْجُ ثُمَّ رَجَعَ الزَّوْجُ عَلَى الْمَوْلَى إذَا لَمْ يَعْلَمْ الزَّوْجُ بِالرَّهْنِ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.
فِي الْفَتَاوَى الْعَتَّابِيَّةِ وَلَوْ أَعْتَقَ مَا فِي بَطْنِهَا ثُمَّ رَهَنَهَا جَازَ، وَلَا يَسْقُطُ بِنُقْصَانِ وِلَادَتِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا وَلَدَتْ قَبْلَ عِتْقِ الْوَلَدِ حَيْثُ يَسْقُطُ بِقَدْرِ النُّقْصَانِ إلَّا إذَا كَانَ بِالْوَلَدِ وَفَاءٌ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
ارْتَهَنَ الْمُسْلِمُ مِنْ كَافِرٍ خَمْرًا فَصَارَتْ خَلًّا فَالرَّهْنُ بَاطِلٌ، وَيَكُونُ الْخَلُّ أَمَانَةً فِي يَدِهِ، وَالرَّاهِنُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَقَضَاهُ دَيْنَهُ وَإِنْ شَاءَ يَدَعُ الْخَلَّ بِدَيْنِهِ إنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْخَمْرِ يَوْمَ الرَّهْنِ كَالدَّيْنِ بِخِلَافِ مَا لَوْ ارْتَهَنَ الْكَافِرُ خَمْرًا مِنْ الْمُسْلِمِ لَا يَجُوزُ، وَيَكُونُ أَمَانَةً فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ.
ارْتَهَنَ مُسْلِمٌ مِنْ مُسْلِمٍ عَصِيرًا فَصَارَ خَمْرًا فَلِلْمُرْتَهِنِ تَخْلِيلُهَا، وَيَكُونُ رَهْنًا، وَتَبْطُلُ بِحِسَابِ مَا نَقَصَ يَعْنِي مِنْ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ، وَإِنْ كَانَ الرَّاهِنُ كَافِرًا يَأْخُذُ الْخَمْرَ، وَالدَّيْنُ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُخَلِّلَهَا، وَإِنْ خَلَّلَهَا ضَمِنَ قِيمَتَهَا يَوْمَ خَلَّلَ، وَرَجَعَ بِدَيْنِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الرَّاهِنُ مُسْلِمًا فَخَلَّلَهَا لَمْ يَضْمَنْ كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
وَلَوْ رَهَنَ الذِّمِّيُّ عِنْدَ ذِمِّيٍّ جِلْدَ مَيْتَةٍ فَدَبَغَهُ الْمُرْتَهِنُ لَمْ يَكُنْ رَهْنًا، وَلِلرَّاهِنِ أَنْ يَأْخُذَهُ وَيُعْطِيَهُ قِيمَةَ الدِّبَاغَةِ إنْ كَانَ دَبَغَهُ بِشَيْءٍ لَهُ قِيمَةٌ بِمَنْزِلَةِ مَنْ غَصَبَ جِلْدَ مَيْتَةٍ فَدَبَغَهُ.
وَإِذَا ارْتَهَنَ الذِّمِّيُّ مِنْ الذِّمِّيِّ خَمْرًا ثُمَّ أَسْلَمَا، فَقَدْ خَرَجَتْ مِنْ الرَّهْنِ فَإِنْ خَلَّلَهَا فَهِيَ رَهْنٌ وَكَذَلِكَ لَوْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا أَيُّهُمَا كَانَ ثُمَّ صَارَتْ خَلًّا فَهِيَ رَهْنٌ وَيَنْقُصُ مِنْ الدَّيْنِ بِحِسَابِ مَا نَقَصَ مِنْهَا.
وَإِذَا ارْتَهَنَ الْكَافِرُ مِنْ الْكَافِرِ خَمْرًا وَوَضَعَهَا عَلَى يَدَيْ مُسْلِمٍ عَدْلٍ وَقَبَضَهَا فَالرَّهْنُ جَائِزٌ.
وَالْحَرْبِيُّ الْمُسْتَأْمَنُ فِي الرَّهْنِ وَالِارْتِهَانِ كَالذِّمِّيِّ فَإِنْ رَجَعَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ ظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الدَّارِ فَأَخَذُوهُ أَسِيرًا، وَلَهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ رَهْنٌ بِدَيْنٍ عَلَيْهِ، فَقَدْ بَطَلَ الدَّيْنُ وَصَارَ الرَّهْنُ الَّذِي هُوَ فِي يَدَيْهِ بِذَلِكَ الدَّيْنِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-، وَقَالَ: مُحَمَّدٌ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- يُبَاعُ الرَّهْنُ فَيَسْتَوْفِي الْمُرْتَهِنُ دَيْنَهُ، وَمَا بَقِيَ فَهُوَ لِمَنْ أَسَرَهُ، وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ رَهْنٌ لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ بِدَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ رَدُّ الرَّهْنِ عَلَى صَاحِبِهِ، وَبَطَلَ دَيْنُهُمْ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
وَرَهْنُ الْمَيْتَةِ أَوْ الدَّمِ لَا يَصِحُّ مِنْ ذِمِّيٍّ وَغَيْرِهِ كَذَا فِي الْكَافِي.
فِي الْفَتَاوَى الْعَتَّابِيَّةِ وَرُوِيَ أَنَّ الْغَاصِبَ إذَا رَهَنَ الْمَغْصُوبَ ثُمَّ اشْتَرَاهُ جَازَ الرَّهْنُ.
وَلَوْ وَجَدَ عَيْبًا بِالْمَبِيعِ فَرَهَنَهُ الْبَائِعُ بِالْعَيْبِ لَمْ يَجُزْ.
وَلَوْ دَفَعَ الْمُشْتَرِي إلَى الْبَائِعِ عَيْنًا تَكُونُ رَهْنًا عِنْدَهُ مَعَ الْمَبِيعِ بِالثَّمَنِ تَهْلَكُ الْعَيْنُ بِحِصَّتِهَا كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
وَلَا يَبْطُلُ الرَّهْنُ بِمَوْتِ الرَّاهِنِ، وَلَا بِمَوْتِ الْمُرْتَهِنِ وَلَا بِمَوْتِهِمَا وَيَبْقَى الرَّهْنُ رَهْنًا عِنْدَ الْوَرَثَةِ كَذَا فِي خِزَانَةِ الْفَتَاوَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.(الْفَصْلُ الْخَامِسُ فِي رَهْنِ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ):

وَلَوْ رَهَنَ الْأَبُ مَالَ ابْنِهِ الْكَبِيرِ فِي دَيْنِهِ لَمْ يَجُزْ لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْوَجِيزِ لِلْكَرْدَرِيِّ.
وَإِذَا رَهَنَ الْأَبُ مَتَاعًا لِوَلَدِهِ بِمَالٍ أَخَذَهُ لِنَفْسِهِ وَلِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ فَهُوَ جَائِزٌ بِخِلَافِ مَا إذَا رَهَنَ عَيْنًا مُشْتَرَكًا بَيْنَ ابْنِهِ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ مَا لَمْ يُسَلِّمْ الْكَبِيرُ، فَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ ضَمِنَ الْأَبُ حِصَّتَهُ مِنْ ذَلِكَ وَالْوَصِيُّ فِي ذَلِكَ كَالْأَبِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَكَذَلِكَ الْجَدُّ أَبُو الْأَبِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَصِيٌّ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَبِ فِي التَّصَرُّفِ بِحُكْمِ الْوِلَايَةِ إلَّا أَنَّ الْأَبَ يَمْلِكُ أَنْ يَرْهَنَ مَالَ أَحَدِ الصَّغِيرَيْنِ مِنْ الْآخَرِ، وَالْوَصِيُّ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ عَلَى قِيَاسِ الرَّهْنِ مِنْ نَفْسِهِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
وَإِذَا رَهَنَ الْأَبُ مَتَاعَ ابْنِهِ الصَّغِيرِ عِنْدَ رَجُلٍ فَأَدْرَكَ الْوَلَدُ وَمَاتَ الْأَبُ لَمْ يَكُنْ لِلْوَلَدِ أَنْ يَسْتَرِدَّ الرَّهْنَ حَتَّى يَقْضِيَ الدَّيْنَ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ لَزِمَهُ مِنْ الْأَبِ فِي حَالِ قِيَامِ وِلَايَتِهِ، وَهُوَ فِي ذَلِكَ قَائِمٌ مَقَامَ الْوَلَدِ إنْ لَمْ يَكُنْ بَالِغًا فَلَوْ كَانَ الْأَبُ رَهَنَهُ لِنَفْسِهِ وَقَضَاهُ الِابْنُ يَرْجِعُ بِهِ فِي مَالِ الْأَبِ، وَكَذَا إذَا هَلَكَ الرَّهْنُ قَبْلَ أَنْ يَفْتَكَّهُ كَذَا فِي الْكَافِي.
الْأُمُّ إذَا رَهَنَتْ مَالَ طِفْلِهَا لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ تَكُونَ وَصِيَّةً أَوْ مَأْذُونَةً مِنْ جِهَةِ مَنْ يَلِي الطِّفْلَ، وَإِنْ أَجَازَ الْحَاكِمُ إرْهَانَهَا مَالَ الطِّفْلِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ، وَيَثْبُتُ لِلْمُرْتَهِنِ حَقُّ الْحَبْسِ وَالِاخْتِصَاصُ دُونَ الْبَيْعِ وَإِنْ أَرَهَنَتْ وَوَكَّلَتْ الْمُرْتَهِنَ بِالْبَيْعِ فَأَجَازَ الْحَاكِمُ الْوَكَالَةَ وَالْبَيْعَ كَانَ الْوَكِيلُ وَكِيلًا مِنْ جِهَةِ الْحَاكِمِ، وَلَوْ عُزِلَ الْقَاضِي الَّذِي أَجَازَ الرَّهْنَ وَوَلِيَ آخَرُ، وَقَدْ بَاعَ الْمُرْتَهِنُ الْمَرْهُونَ فَإِنْ ثَبَتَ عِنْدَ الْقَاضِي الثَّانِي إجَازَةُ الْقَاضِي الْأَوَّلِ بِالْبَيْعِ فَإِنَّهُ يُنَفِّذُهُ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ إمْضَاءُ الْقَاضِي التَّوْكِيلَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ الْبَيْعَ إذَا كَانَ لِلطِّفْلِ فِيهِ مَصْلَحَةٌ كَذَا فِي جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى.
وَإِذَا كَانَ لِلْأَبِ أَوْ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ أَوْ لِعَبْدِهِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ، وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ دَيْنٌ عَلَى ابْنٍ لَهُ صَغِيرٍ فَرَهَنَ الْأَبُ مَتَاعَ الصَّغِيرِ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ مِنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ أَوْ مِنْ عَبْدِهِ التَّاجِرِ جَازَ كَذَا فِي التَّبْيِينِ.
يَجُوزُ أَنْ يَرْهَنَ مَالَهُ عِنْدَ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ بِدَيْنِ مَا عَلَيْهِ وَيَحْبِسَهُ لِأَجْلِ الْوَلَدِ، وَلَا يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ هَذَا كَذَا فِي السِّرَاجِيَّةِ.
وَإِذَا ارْتَهَنَ الْوَصِيُّ خَادِمًا مَا لِلْيَتِيمِ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ رَهَنَ خَادِمًا لِنَفْسِهِ مِنْ الْيَتِيمِ بِحَقٍّ لِلْيَتِيمِ عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ، وَكَذَلِكَ ارْتِهَانُ الْيَتِيمِ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يُجِيزَهُ الْوَصِيُّ بِمَنْزِلَةِ بَيْعِهِ وَشِرَائِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ أَحَدُ الْوَصِيَّيْنِ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُجِيزَهُ الْآخَرُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ- رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى- وَيَجُوزُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- وَلَا يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَرْهَنَ مَتَاعَ الْيَتِيمِ مِنْ ابْنٍ لَهُ صَغِيرٍ أَوْ عَبْدٍ لَهُ تَاجِرٍ لَيْسَ عَلَيْهِ دَيْنٌ كَمَا لَا يَرْهَنُهُ مِنْ نَفْسِهِ، وَإِنْ رَهَنَ مِنْ ابْنٍ لَهُ كَبِيرٍ أَوْ مِنْ أَبِيهِ أَوْ مِنْ مُكَاتَبِهِ أَوْ مِنْ عَبْدٍ لَهُ تَاجِرٍ عَلَيْهِ دَيْنٌ جَازَ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
وَإِنْ اسْتَدَانَ الْوَصِيُّ لِلْيَتِيمِ فِي كِسْوَتِهِ وَطَعَامِهِ فَرَهَنَ مَتَاعًا لِلْيَتِيمِ جَازَ، وَكَذَا لَوْ اتَّجَرَ لِلْيَتِيمِ فَرَهَنَ أَوْ ارْتَهَنَ كَذَا فِي الْكَافِي.
وَلَوْ اسْتَدَانَ الْوَصِيُّ عَلَى الْوَرَثَةِ، وَرَهَنَ بِهِ مَتَاعَهُمْ فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ اسْتَدَانَ لِنَفَقَتِهِمْ وَحَوَائِجِهِمْ وَنَوَائِبِهِمْ كَالْخَرَاجِ أَوْ اسْتَدَانَ لِنَفَقَةِ رَقِيقِهِمْ وَدَوَابِّهِمْ وَكُلُّ وَجْهٍ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ كَانَتْ الْوَرَثَةُ كُلُّهُمْ كِبَارًا أَوْ صِغَارًا فَإِنْ اسْتَدَانَ لِنَفَقَتِهِمْ وَرَهَنَ بِهِ، وَهُمْ كِبَارٌ حُضُورٌ أَوْ غُيَّبٌ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ كَانُوا صِغَارًا جَازَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانُوا صِغَارًا وَكِبَارًا يَجُوزُ اسْتِدَانَتُهُ وَرَهْنُهُ عَلَى الصِّغَارِ خَاصَّةً دُونَ الْكِبَارِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَاعَ الْمَنْقُولَ مِنْ التَّرِكَةِ جَازَ عَلَى الْكُلِّ أَمَّا إذَا اسْتَدَانَ لِنَفَقَةِ رَقِيقِهِمْ وَدَوَابِّهِمْ فَإِنْ كَانَ الْكُلُّ كِبَارًا حُضُورًا لَا يَجُوزُ اسْتِدَانَتُهُ، وَرَهْنُهُ مِنْ مَتَاعِهِمْ، وَإِنْ كَانُوا غُيَّبًا جَازَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ حُضُورًا، وَبَعْضُهُمْ غُيَّبًا أَوْ كَانُوا صِغَارًا وَكِبَارًا حَاضِرِينَ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ إلَّا عَلَى الْغُيَّبِ وَالصِّغَارِ خَاصَّةً وَلَا يَجُوزُ رَهْنُهُ عَلَى الْكُلِّ كَذَا فِي مُحِيطِ السَّرَخْسِيِّ.
وَإِذَا كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ، وَلَهُ وَصِيٌّ فَرَهَنَ الْوَصِيُّ بَعْضَ تَرِكَتِهِ عِنْدَ غَرِيمٍ مِنْ غُرَمَائِهِ لَمْ يَجُزْ وَلَلْآخَرِينَ أَنْ يَرُدُّوهُ فَإِنْ قَضَى دَيْنَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَرُدُّوهُ جَازَ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ غَرِيمٌ آخَرُ جَازَ الرَّهْنُ وَبِيعَ فِي دَيْنِهِ، وَإِذَا ارْتَهَنَ الْوَصِيُّ بِدَيْنِ الْمَيِّتِ عَلَى رَجُلٍ جَازَ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْمَيِّتُ هُوَ الَّذِي ارْتَهَنَ فَوَصِيُّهُ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي إمْسَاكِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَبِيعُهُ بِدُونِ إذْنِ الرَّاهِنِ وَلِلْوَصِيِّ أَنْ يَرْهَنَ بِدَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ فِيمَا هُوَ مِنْ حَوَائِجِ الْمَيِّتِ، وَإِيفَاءُ الدَّيْنِ مِنْ حَوَائِجِهِ، وَيَمْلِكُهُ الْوَصِيُّ فَكَذَلِكَ الرَّهْنُ بِهِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
وَلَوْ مَاتَ الرَّاهِنُ بَاعَ وَصِيُّهُ الرَّهْنَ وَقَضَى الدَّيْنَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَصِيٌّ نَصَّبَ الْقَاضِي لَهُ وَصِيًّا، وَأَمَرَهُ بِبَيْعِهِ كَذَا فِي السِّرَاجِيَّةِ.
وَلَوْ رَهَنَ الْوَارِثُ الْكَبِيرُ شَيْئًا مِنْ مَتَاعِ الْمَيِّتِ، وَعَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ، وَلَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ فَإِنْ خَاصَمَ الْغَرِيمَ فِي ذَلِكَ أَبْطَلَ الرَّهْنَ وَبِيعَ لَهُ فِي دَيْنِهِ فَإِنْ قَضَى الْوَارِثُ الدَّيْنَ جَازَ الرَّهْنُ.
وَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ فَرَهَنَ الْوَارِثُ الْكَبِيرُ شَيْئًا مِنْ مَتَاعِهِ بِمَالٍ أَنْفَقَهُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ كَانَ الْوَارِثُ صَغِيرًا فَفَعَلَ ذَلِكَ الْوَصِيُّ ثُمَّ رُدَّتْ عَلَيْهِمْ سِلْعَةٌ بِالْعَيْبِ كَانَ الْمَيِّتُ بَاعَهَا فَهَلَكَتْ فِي أَيْدِيهِمْ، وَصَارَ ثَمَنُهَا دَيْنًا فِي مَالِ الْمَيِّتِ، وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُ مَا رَهَنَ بِالنَّفَقَةِ فَالرَّهْنُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ حِينَ يُسَلِّمَ الرَّهْنَ إلَى الْمُرْتَهِنِ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ، وَالْعَيْنُ كَانَ مِلْكًا لِوَارِثٍ فَارِغًا عَنْ حَقِّ الْغَيْرِ فَيَلْزَمُ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ فِيهِ ثُمَّ لِحَقِّ الدَّيْنِ بَعْدَ ذَلِكَ بِرَدِّ السِّلْعَةِ بِالْعَيْبِ فَلَا يُبْطِلُ ذَلِكَ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا اُسْتُحِقَّ الْعَبْدُ الَّذِي كَانَ الْمَيِّتُ بَاعَهُ أَوْ وُجِدَ حُرًّا، فَإِنَّ الرَّهْنَ يَبْطُلُ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الدَّيْنَ كَانَ وَاجِبًا عَلَى الْمَيِّتِ حِينَ رَهَنَ الْوَارِثُ التَّرِكَةَ فَالْحُرُّ لَا يَدْخُلُ فِي الْعَقْدِ، وَلَا يَمْلِكُ ثَمَنَهُ، وَبِالِاسْتِحْقَاقِ يَبْطُلُ الْبَيْعُ مِنْ الْأَصْلِ، وَلَكِنَّ الرَّاهِنَ ضَامِنٌ لِقِيمَتِهِ حَتَّى يُؤَدِّيَهُ فِي دَيْنِ الْمَيِّتِ وَصِيًّا كَانَ أَوْ وَارِثًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَحِقَ الْمَيِّتَ دَيْنٌ وَجَبَ قَضَاءُ ذَلِكَ مِنْ تَرِكَتِهِ، وَالْوَارِثُ قَدْ مَنَعَ ذَلِكَ بِتَصَرُّفِهِ فَكَانَ فِي حُكْمِ الْمُسْتَهْلِكِ فَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ، وَالْوَصِيُّ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّ الْوَصِيَّ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمَيِّتِ.
وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ الْمَيِّتُ زَوَّجَ أَمَتَهُ، وَأَخَذَ مَهْرَهَا فَأَعْتَقَهَا الْوَارِثُ بَعْدَ مَوْتِهِ قَبْلَ دُخُولِ الزَّوْجِ بِهَا فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا، وَصَارَ الْمَهْرُ دَيْنًا عَلَى الْمَيِّتِ كَانَ الرَّهْنُ جَائِزًا، وَالِابْنُ ضَامِنٌ لَهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ حَفَرَ بِئْرًا فِي الطَّرِيقِ ثُمَّ تَلِفَ فِيهِ إنْسَانٌ بَعْدَ مَوْتِهِ حَتَّى صَارَ ضَمَانُهُ دَيْنًا عَلَى الْمَيِّتِ فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ التَّصَرُّفُ الَّذِي تَمَّ مِنْ الْوَارِثِ، وَلَكِنَّهُ ضَامِنٌ لِلْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ أَبْطَلَ حَقَّ الْغَيْرِ فِي الْعَيْنِ بِتَصَرُّفِهِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ.
وَلَوْ رَهَنَ الْوَصِيُّ مَتَاعًا لِلْيَتِيمِ فِي دَيْنٍ اسْتَدَانَهُ عَلَيْهِ، وَقَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ ثُمَّ اسْتَعَارَهُ الْوَصِيُّ مِنْ الْمُرْتَهِنِ لِحَاجَةِ الْيَتِيمِ فَضَاعَ فِي يَدِ الْوَصِيِّ، فَقَدْ خَرَجَ مِنْ الرَّهْنِ، وَهَلَكَ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ، وَإِذَا لَمْ يَسْقُطُ الدَّيْنُ بِهَلَاكِهِ رَجَعَ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الْوَصِيِّ بِالدَّيْنِ كَمَا كَانَ يَرْجِعُ بِهِ قَبْلَ الرَّهْنِ، وَيَرْجِعُ بِهِ الْوَصِيُّ عَلَى الصَّبِيِّ، وَلَوْ اسْتَعَارَهُ لِحَاجَةِ نَفْسِهِ ضَمِنَهُ لِلصَّبِيِّ.
وَلَوْ رَهَنَ الْوَصِيُّ مَالَ الْيَتِيمِ ثُمَّ غَصَبَهُ فَاسْتَعْمَلَهُ لِحَاجَةِ نَفْسِهِ حَتَّى هَلَكَ عِنْدَهُ فَالْوَصِيُّ ضَامِنٌ لِقِيمَتِهِ فَيَقْضِي مِنْهُ الدَّيْنَ إذَا حَلَّ، وَالْفَضْلُ لِلْيَتِيمِ إنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ أَدَّى قَدْرَ الْقِيمَةِ إلَى الْمُرْتَهِنِ، وَأَدَّى الزِّيَادَةَ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ الدَّيْنِ أَدَّى إلَى الْمُرْتَهِنِ، وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْيَتِيمِ، وَإِنْ لَمْ يَحِلَّ الدَّيْنُ فَالْقِيمَةُ رَهْنٌ لِقِيَامِهَا مَقَامَ الرَّهْنِ فَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ كَانَ الْجَوَابُ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ الَّذِي مَرَّ فَلَوْ غَصَبَهُ وَاسْتَعْمَلَهُ لِحَاجَةِ الصَّبِيِّ حَتَّى هَلَكَ فِي يَدِهِ يَضْمَنُهُ لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ، وَلَا يَضْمَنُهُ لِحَقِّ الصَّبِيِّ، وَيَأْخُذُ الْمُرْتَهِنُ بِالدَّيْنِ إنْ حَلَّ وَيَرْجِعُ الْوَصِيُّ عَلَى الصَّغِيرِ، وَإِنْ لَمْ يَحِلَّ يَكُونُ رَهْنًا عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ، فَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ أَخَذَ دَيْنَهُ مِنْهُ، وَرَجَعَ الْوَصِيُّ عَلَى الْيَتِيمِ بِذَلِكَ كَذَا فِي الْكَافِي.
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.